النظامُ الانتخاب وبناء العملةٌَّ الدمٌقراطةٌ
DOI:
https://doi.org/10.37376/deb.v37i.1235الملخص
يعتبر موضوع النظام الانتخابي وأثره على المكونات الاجتماعية من المواضيع ذات الأهمية الكبيرة على واقع بناء العملية الديمقراطية والتمثيل السياسي لهذه المكونات؛ وذلك لتأثيره المباشر على النظام السياسي برمته، حيث تعد مسألة اختيار النظام الانتخابي الملائم من أهم القرارات بالنسبة لأي نظام ديمقراطي، ففي أغلب الأحيان يترتب على هذا الاختيار نظام انتخابي معين ذو تبعات مهمة على مستقبل الحياة السياسية في البلد المعني، حيث أن النظم الانتخابية المنتقاة تميل إلى الديمومة لفترة معقولة من الزمن الذي تتمحور فيه الاهتمامات السياسية المحيطة به حول إمكانية الاستفادة من المحفزات التي توفرها الأنظمة الانتخابية للأطراف السياسية المهيمنة على العملية السياسية، والتي تعتبر الطرف المستفيد من الوضع الراهن.
ضمن هذا السياق، يأتي هذا الكتاب المهم للدكتور محمد عبد حمادي المساري اليوضح أهمية النظم الانتخابية، التي أصبحت واحدة من أهم المسائل التي تحظى باهتمام كبير من المهتمين بالشأن السياسي. كما أن الكتاب مهم لفهم آليات وصول النخب الحاكمة إلى السلطة وذلك يمثل الأهمية العلمية، أما الأهمية العملية "التطبيقية" فإنها تناول نموذج تطبيقي محدد، وهو دولة العراق، من حيث التركيز على مخرجات العملية الانتخابية، والوقوف على سلبياتها وإيجابياتها، من ناحية نتائج الانتخابات، ومدى تمثيل كل مكون داخل البرلمان، والوقوف على طبيعة التفاعلات بين الكتل السياسية، ورسم رؤية واضحة حول الائتلافات التي تكونت بعد الانتخابات، وطرح رؤية تجسد عملها داخل السلطة التشريعية بشكل يضمن عدم تفرد الأغلبية السياسية بالسلطة، وضمان حقوق الأقلية السياسية.
تقسيمات الكتاب:
ينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة فصول، الفصل الأول (الإطار النظري والتاريخي)، ويتكون من ثلاثة مباحث، المبحث الأول، يتناول مفهوم الانتخاب والنظام الانتخابي، وفيه يعرف الباحث الانتخابات ويوضح شروطها، وأهمية النظام الانتخابي، والمبادئ القانونية والدستورية للنظام الانتخابي. ويوضح المبحث الثاني، أنواع النظم الانتخابية، وتصنيفاتها المختلفة. أما المبحث الثالث، فيستعرض طبيعة النظام السياسي العراقي في العهد الملكي والجمهوري (1921-2003 ).
ويشير الكاتب في هذا الفصل إلى أن أي نظام سیاسی ناشئ يحتاج إلى انتقاء نظام انتخابي معين لانتخاب سلطته التشريعية، وحكومة تنبثق عن هذه السلطة، كما يمكن أن تقضي الأزمات السياسية الحاصلة في النظم السياسية الديمقراطية القائمة إلى تغير النظام الانتخابي المعتمد. فمسألة انتقاء النظام الانتخابي هي مسألة سياسية بالدرجة الأولى، وليست مسألة فنية يمكن لمجموعة من الخبراء المستقلين معالجتها، فغالبا ما تكون المصالح السياسية في صلب الاعتبارات إن لم تكن الاعتبار الوحيد الذي يتم انتقاء النظام الانتخابي من بين الخيارات المتوفرة، ويدخل ضمن حاجات الانتقاء طبيعة المجتمع من حيث ثقافته وأطيافه القومية والمذهبية، والتي عادة ما تنحصر في عدد قليل من الخيارات. وأوضح الكاتب هنا أن مفهوم الانتخاب يتمحور حول عملية الاختيار والانتقاء للأشخاص الذين سيكونون ممثلين عن أفراد المجتمع في العملية السياسية، وبذلك يجب أن تكون عملية الانتخاب والاختيار عن دراية كاملة بالشخصية المعنية بالانتخاب، ومدى تحقيقها لطموحات الناخبين بعد النجاح في العملية الانتخابية.
وخلص الكاتب في هذا الفصل إلى أن تغيير النظام العراقي من الملكي إلى الجمهوري أدى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي في الدولة، بسبب الثورات والحروب التي خاضتها الدولة خلال العهد الجمهوري، والتي أدت إلى إضعاف العملية الديمقراطية، واحتكار السلطة بيد مجموعة معينة تدعي العمل بالديمقراطية، ولكنها في حقيقة الأمر تتخذ من شكل العملية الديمقراطية منهجا لها، وليس تطبيقأ جوهرية، وهذا ما تناوله المبحث الثالث الذي تطرق إلى طبيعة النظام السياسي في العراق قبل الاحتلال الأمريكي عام 2003م.
وكان الفصل الثاني في الكتاب قد تناول "طبيعة النظام السياسي في العراق بعد الاحتلال الأمريكي"، وتضمن ثلاثة مباحث، تناول الأول منها النظام البرلماني في العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003م. بينما تناول الثاني المكونات الاجتماعية والمحاصصة الطائفية والقومية بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003م. أما المبحث الثالث، فقد تناول التعددية السياسية في النظام السياسي العراقي بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003م.
واستهل المؤلف هذا الفصل بالقول إنه بعد التغيير السياسي الذي حصل في العراق في التاسع من أبريل 2003م، بدأ الحديث عن بناء نظام ديمقراطي دستوري علي الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية. واختلفت الآراء حول شكل وطبيعة النظام السياسي الذي ينبغي إقامته في هذه الدولة، والذي تم حسمه بدستور العراق الصادر عام 2005م، الذي تبني النظام البرلماني (النيابي) كنظام الحكم. وتبني أيضا التأكيد على الفصل المرن من خلال التعاون والتوازن بين السلطات الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، على أن تكون السلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء، الذي يكون هو المسؤول الأول والمباشر عن السياسة العامة للدولة.
إن عملية بناء نظام ديمقراطي مؤسساتي في العراق في ظل أوضاع داخلية وخارجية معقدة تعد عملية صعبة، إذ أن التحول من نظام مركزي قائم على قاعدة الحزب الواحد إلى نظام برلماني بكل أسسه المتعارف عليها في الدول الديمقراطية المستقرة أمر يحمل في طياته الكثير من الصعوبات والتحديات، وبالتالي فإن هذا التحول يتطلب إيجاد هيكلية دستورية وقانونية وسياسية، تنسجم مع التطور الحضاري ومتطلبات المجتمع، ويمنح الفرص المتكافئة لجميع القوى السياسية لكي تمارس نشاطاتها في العملية السياسية.
كما بين هذا الفصل أيضا أن المجتمع العراقي يتصف بالتعددية، فهناك التعدد الديني، والتعدد القومي، والتعدد الطائفي، وبذلك أسهم هذا التعدد والتنوع في ظهور التعددية الحزبية بعد عام 2003م. واعتمد النظام السياسي الجديد بعد 2003م على الانتخابات في تشكيل هيئاته الدستورية من التشريعية والتنفيذية والقضائية بالاعتماد على نظام التمثيل النسبي، لضمان مشاركة جميع مكونات المجتمع في صنع القرار السياسي وتنفيذه بصورة عامة.
أما الفصل الثالث والأخير من الكتاب فكان بعنوان "مراحل تطور النظام الانتخابي والتمثيل السياسي في الانتخابات التشريعية بعد عام 2005"، وفيه ثلاثة مباحث، تناول الأول انتخابات الجمعية الوطنية والانتخابات البرلمانية عام 2005م، وتناول المبحث الثاني الانتخابات البرلمانية عام 2010م، أما المبحث الثالث فقد تناول الانتخابات البرلمانية عام 2014م.
وقد استعرض هذا الفصل الممارسات الانتخابية التي جرت بعد عام 2003م، في العراق، وطبيعة النظام الانتخابي في كل مرحلة، والنتائج التي توصل إليها، وتشكيل الحكومة، من خلال التركيز على مدى قدرة هذا النظام على الاستجابة للأوضاع السياسية، وطبيعة التمثيل السياسي للمكونات خلال هذه المرحلة، وقدرة مخرجات النظام في تعزيز الاستقرار والمنافسة السياسية الشريفة، وشكل السلطة السياسية وشكل النظام الحزبي.
ولوحظ أن القوانين المنظمة لمسار العملية الانتخابية في هذه الدولة في المرحلة محل الدراسة هنا تتطور حسب متطلبات كل مرحلة، سواء من حيث النظام الانتخابي الذي سيحدد شروط الترشيح, أم من خلال التعديلات التي تترتب عليها عملية حساب الأصوات، وتحديد الفائزين، ولا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى أن الدستور وضع مبادئ عامة لتنظيم الانتخابات في سبيل إرسائها وفقا للطبيعة المجتمعية على أرض الواقع.
وقد أوضح هذا الفصل مراحل تطور الانتخابات البرلمانية الثلاث، والنظام الانتخابي المعمول به خلال كل عملية انتخابية، وخريطة الكيانات السياسية الممثلة للمكونات الاجتماعية في الدولة، ونتائج الانتخابات، وتشكيل الحكومة التنفيذية.
وخلص هذا الفصل إلى أن تعدد الأحزاب المختلفة الأيديولوجيات وتوجهات مجلس النواب ولد حالة من التقاطعات وعدم الانسجام، مما أدى بالمحصلة إلى إضعاف الدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب. كما خلص إلى أن العملية الانتخابية ضمنت مشاركة أغلب مكونات المجتمع في العملية السياسية، وخصوصا الأقليات، وحسب النسبة السكانية لكل مكون, وضمنت كذلك مشاركة المرأة بنسبة 25% من العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب.
خاتمة الكتاب:
خلص الكاتب في نهاية الكتاب إلى أن العملية الانتخابية في العراق مرت بمرحلتين، الأولى قبل الاحتلال، والتي يمكن وصفها بأنها "صورية" فقط، نتيجة الاحتكار السلطة بيد مجموعة معينة ترفع شعار الديمقراطية، ولكنها تتخذ من شكل العملية الديمقراطية منهجا لها، وليس تطبيقا لها، والمرحلة الثانية بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003م، والتي تدخل ضمن نمط "التدخل الأجنبي" حسب تصنیف هنتنجتون لأنماط التحول الديمقراطي.
كما خلص الكاتب أيضا إلى أنه للنظام الانتخابي أثر في تمثيل جميع المكونات الإثنية والعرقية والأقليات في أحزاب اشتركت في العملية السياسية، واستطاعت أن تضمن مقاعد في مجلس النواب بنسب مرضية لها، من خلال تبني نظام التمثيل النسبي"، الذي أسهم في ترسيخ الطائفية والعرقية، لكونه جري في ظل ظروف كان فيها المجتمع العراقي يسوده الاحتقان الطائفي والتناحر المذهبي، مما دفع الناخبين للتصويت على أساس الهوية المذهبية وليس الهوية الوطنية.
وقد أكد الكاتب على مجموعة من النقاط أهمها العمل على تحقيق المصالحة الوطنية من خلال طي صفحة الماضي والحوار الجاد بين الفرقاء السياسيين، وحل الأزمات، وقبول الرأي والرأي الآخر، وطرح كل مكون أو كيان لوجهة نظره حول كيفية تحقيق المصالحة الوطنية، وتحقيق توافق سياسي بين الفرقاء، وتفعيل ورقة الإصلاح السياسي. إضافة إلى القيام بتشريع نظام انتخابي جديد يلائم التعددية القومية والمذهبية للمجتمع، ويضمن مشاركة جميع المكونات بالعملية السياسية، وتضمين المناهج الدراسية في المدارس والكليات منهج "التثقيف الانتخابي" لتوعية وتثقيف المجتمع حول أهمية العملية الانتخابية، والأسس التي يقوم عليها اختيار المرشحين.
تعليق عام:
من خلال الاطلاع على هذا الكتاب، وعرضه الموجز يلاحظ أنه كتاب مهم ومفيد لطلبة الدراسات الجامعية والدراسات العليا في أقسام العلوم السياسية، وللمهتمين بالعملية الانتخابية، فهو إلى جانب تناوله للأطر النظرية للانتخابات، وكل ما يتعلق بها من مفاهیم ونظم واليات، يتناول نموذج تطبيقية يتمثل في دولة العراق، وتجربتها الانتخابية قبل الاحتلال الأمريكي عام 2003م، وبعده. ويمكن من خلال دراسة هذه التجربة العربية الاستفادة مما فيها من جوانب إيجابية، وتلافي الأخطاء أو الجوانب السلبية في الممارسة الانتخابية.
وقد أضاف الكاتب مجموعة من الملاحق المهمة حول موضوع الانتخابات، تمثلت في مجموعة من القوانين والتشريعات المرتبطة بالانتخابات، ومواد من الدستور العراقي ذات صلة بهذا الموضوع. ولذلك يمكن القول في نهاية هذا العرض أن هذا الكتاب يعتبر مساهمة جادة في توضيح ماهية النظام الانتخابي، وجوانبه التطبيقية وعلاقته ببناء العملية الديمقراطية
التنزيلات

التنزيلات
منشور
كيفية الاقتباس
إصدار
القسم
الرخصة
الحقوق الفكرية (c) 2022 دراسات في الاقتصاد والتجارة

هذا العمل مرخص بموجب Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivatives 4.0 International License.