أثر الإفلاس على العقد الحساب الجاري

المؤلفون

  • د. ابتسام أحمد ابحيح

DOI:

https://doi.org/10.37376/jols.vi22.969

الكلمات المفتاحية:

أثر الإفلاس على العقد الحساب الجاري

الملخص

إن فكرة الإفلاس ترقي إلى العهد الروماني،إذ أجيز لديهم امتلاك شخص المدين والتصرف فيه، سواء بالبيع أو التأجير أو الحبس أو حتى القتل، وفي حالة تعدد الدائنين لنفس المدين كان يتم بيعه، ومن ثم اقتسام الثمن فيما بينهم، ثم تطور التشريع لديهم، فتم إلغاء الإكراه البدني، وأصبحت أموال المدين وحدها هي الضامنة للوفاء بديونه بمقتضي قرار يصدر من القاضي الروماني Le préteur بموجبه يتم غل يد المدين عن إدارة أمواله، ويكلف ممثلا لإدارة هذه الأموال، وكان يسمي وكيل التصفية، بحيث يتولى أمر بيع هذه الأموال، ومن ثم توزيع ثمنها على الدائنين، كل بحسب نصيبه من الدين([1]).

وبعد ازدهار التجارة في المدن الايطالية خلال العصور الوسطي انتقل هذا النظام إلى فرنسا، من خلال تدوين الأعراف والعادات التي تواتر التجار على القيام بها، فصدر أول قانون ينظم التجارة في سنة 1673م([2])؛ وهو متعلق بالتجارة البرية، ويعرف بقانون سافاريJACQUES SAVARY ، وهو يتضمن الأحكام المتعلقة بالإفلاس، حيث كان يطبق على أي مدين، سواء كان تاجرا أو غير تاجر، طالما كان غير قادر على الوفاء بديونه، وأعقبه  صدور قانون التجارة البحرية سنة 1681م، واستمر العمل بهذين القانونين إلى حين قيام الثورة الفرنسية، ومن ثم صدور قانون التجارة الفرنسي سنة 1807م، وتم بموجبه تطبيق نظام الإفلاس على التجار فقط([3]).

فالإفلاس كنظام قانوني خاص يجمع بين قواعد موضوعية وقواعد إجرائية آمرة، حددها المشرع لتحقيق هدفين، الأول حماية الدائنين من تصرفات المدين المفلس، إما لعدم كفاية أمواله للوفاء بحقوق هؤلاء الدائنين([4])، أو حمايتهم من محاولة تهريب هذه الأموال للإضرار بهم([5])، أو نتيجة لسعيه لتحقيق مصلحة غير مشروعة([6])، فوضع بمقتضي ذلك أحكاما لغل يد المفلس عن إدارة أمواله([7]).

أما الهدف الثاني فهو حماية الدائنين أنفسهم تجاه بعضهم البعض، باعتبار هذه الحالة تخلق نوعا من التزاحم، والمشرع في إطار سعيه لتحقيق العدالة والمساواة بينهم أوجد نظاما جماعيا لتصفية أموال هذا المدين المعسر([8])، وذلك بتعيين مأمور للتفليسة من قبل القضاء، يقوم بإدارة هذه الأموال وتصفيتها، ومن ثم بيعها وقسمتها بين الدائنين قسمة غرماء.

وبالنظر للحساب الجاري([9]) كنظام نشاء أساسا في البيئة التجارية، ويقوم على مبدأ سلطان الإرادة، وكان للعرف التجاري دور في إرساء قواعد سريانه،ويهدف إلى حماية الطرف الدائن في الحساب، فكل المدفوعات تدخل الحساب، وتعتبر كلا لا يتجزأ، وتصبح مدفوعات كل طرف فيه ضمانا لمدفوعات الطرف الآخر، وهذا واضح من تعريف المشرع الليبي للحساب الجاري، إذ تنص المادة 771 من قانون النشاط التجاري رقم 23 لسنة 2010 على أنه: "عقد يتفق بمقتضاه شخصان على أن يقيد في الحساب، عن طريق مدفوعات متبادلة ومتداخلة، الديون الناشئة عن العمليات التي تتم بينهما عن تسليم نقود أو أموال أو أوراق تجارية قابلة للتمليك وغيرها، وأن يستعيضا عن تسوية هذه الديون، كل دفعة على حدة، بتسوية نهائية ينتج عنها رصيد الحساب عند قفله.

وتحق المطالبة بالرصيد عند حلول الأجل المقرر للإقفال، وإذا لم يطالب بدفعه اعتبر الرصيد دفعة جديدة أولى لحساب جديد، ويعد العقد مجدداً لفترة غير معينة".

ومن ثم يصبح من الصعوبة التوفيق بين المصالح التي يسعى كل من النظامين تحقيقها، فتغليب أحدهما على الآخر سيؤدي إلى اضطراب في البيئة الاقتصادية، كما سيؤدي إلى إهدار مبدأ المساواة بين الدائنين المنصوص عليه في المادة 237 من القانون المدني الليبي.

لذلك تقتضي منا دراسة موضوع أثر الإفلاس على عقد الحساب الجاري تحديد مفهوم الإفلاس من حيث تعريفه وشروط إعماله، وأثره على الحساب الجاري، باعتباره نظاما لتسوية المعاملات بين أطرافه، والمتمثل في قفل الحساب وذلك كنقطة أولي. أما النقطة الثانية فنتناول من خلالها المركز المتميز الذي يكون فيه أحد أطراف الحساب في مواجهة دائني الطرف الآخر الذي تم شهر إفلاسه،والذي يبرز من خلالها مدى التعارض بين بعض القواعد الواردة في الإفلاس وبين قواعد سريان الحساب الجاري.

 

 

-[1]فالقانون الروماني، وإن كان أول من وضع الخطوط الرئيسية لنظام الإفلاس، إلا أنه لم يعرف بعض المسائل الهامة في الإفلاس، والمعروفة في وقتنا الحاضر، وهي الصلح الواقي من الإفلاس، وإبطال التصرفات في فترة الريبة. أنظر د. إلياس ناصيف: ص11 وما بعدها.

 -[2]د. محمد فريد العريني: ص4 وما بعدها.

[3]- د. إلياس ناصيف:ج4، ص 12.

[4]- تنص المادة 237 من القانون المدني الليبي، والمتعلقة بحقوق الدائن على أموال المدين على أن: "1- أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه. 2- وجميع الدائنين متساوون في هذا الضمان، إلا من كان له منهم حق التقدم طبقا للقانون".

-[5]تنص المادة 240 من القانون المدني الليبي، والمتعلقة بدعوى إبطال تصرف المدين على أنه: "لكل دائن أصبح حقه مستحق الأداء، وصدر من مدينه تصرف ضار به، أن يطلب عدم نفاذ هذا التصرف في حقه، إذا كان هذا التصرف قد أنقص من حقوق المدين، أو زاد في التزاماته، وترتب عليه عسر المدين، أو زيادة في عسره، وذلك متى توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة التالية".

[6]- تنص المادة 245 من القانون المدني الليبي على صورتين من صور المصلحة غير المشروعة التي يسعى المدين إلى تحقيقها لمصلحة دائن من دائنيه، فجاءت بعنوان حالات خاصة بالغش، ونصت على أنه: "1- إذا لم يقصد بالغش إلا تفضيل دائن على آخر دون حق، فلا يترتب عليه إلا حرمان الدائن من هذه الميزة. 2- وإذا وفي المدين المعسر أحد دائنيه قبل انقضاء الأجل الذي عين أصلا للوفاء، فلا يسري هذا الوفاء في حق باقي الدائنين. وكذلك لا يسري في حقهم الوفاء، ولو حصل بعد انقضاء هذا الأجل، إذا كان قد تم نتيجة تواطؤ بين المدين والدائن الذي استوفي حقه".

[7]- راجع بهذا الخصوص الفقرة الأولى من المادة 1047 من قانون النشاط التجاري المتعلقة بأموال المفلس، حيث تنص على أنه: "يحرم المفلس من تاريخ الحكم بشهر إفلاسه من إدارة أمواله والتصرف فيها".

[8]- تختلف حالة الإفلاس الذي يطبق على التاجر نتيجة لإعساره، وتوقفه عن دفع ديونه، ويخضع بموجبها لأحكام القانون التجاري فيما يتعلق بهذا النظام، ومن ثم يخضع لنظام التصفية الجماعية لأمواله، عن حالة العجز المالي أو الإعسار الذي يقع فيه الشخص العادي، أي غير التاجر، والذي ينشأ بموجبه مبدأ الملاحقة الفردية التي تخضع لأحكام القانون المدني وفق ما ورد في نص المادة 242 من القانون المدني الليبي، والمتعلقة بإعسار المدين، والتي تنص على أنه: "إذا ادعى الدائن عسر المدين، فليس عليه إلا أن يثبت مقدار ما في ذمته من ديون، وعلى المدين نفسه أن يثبت أن له مالا يساوي قيمة الديون أو يزيد عليها".

[9]- المشرع الليبي في القانون التجاري السابق الصادر سنة 1953  عرف الحساب الجاري من خلال المادة 200 منه، وذلك بالنص علي أنه "عقد يلتزم بمقتضاه فريقان بتسجيل ديونهم وحقوقهم المتبادلة، الناشئة عن الأخذ والعطاء، في حساب خاص، معتبرين الرصيد غير حال الأجل، وغير قابل للتصرف فيه، إلا عند حلول أجل إقفال الحساب.وتحق المطالبة بالرصيد عند حلول الأجل المقرر للأقفال، وإذا لم يطالب بدفعه اعتبر الرصيد دفعة أولى لحساب جديد، ويعد العقد مجددا لفترة غير معينة".

كما أن المحكمة العليا في حكم لها صادر بتاريخ 9/3/1980 رأت أن "عقد الحساب الذي يلتزم بمقتضاه كل طرف بتقديم مدفوعات للطرف الآخر، ويتعرض لخطر إعساره طول مدة الحساب حتى تتم المقاصة في جميع العمليات لاستخراج الرصيد النهائي وقت إقفال الحساب، لا يعتبر من نوع الحساب العادي، وإنما يعتبر  حسابا جاريا في حكم المادة 200 من القانون التجاري، وإن لم يحصل تبادل المدفوعات بالفعل، إذ يكفي في ذلك أن يكون التبادل ممكنا باتفاق الطرفين".طعن مدني رقم 89/24 ق.، مجلة المحكمة العليا، السنة السادسة عشرة، العدد الرابع، ص85.

 

التنزيلات

بيانات التنزيل غير متوفرة بعد.

التنزيلات

منشور

2019-01-01

كيفية الاقتباس

ابحيح د. ا. أ. . (2019). أثر الإفلاس على العقد الحساب الجاري. مجلة دراسات قانونية, (22). https://doi.org/10.37376/jols.vi22.969

إصدار

القسم

Articles