نطاق استقلال اتفاق التحكيم
نطاق استقلال اتفاق التحكيم
DOI:
https://doi.org/10.37376/jols.vi22.971الكلمات المفتاحية:
نطاق استقلال اتفاق التحكيمالملخص
لا ريب أنّ التحكيم ليس بدعا من القضاء، وإنّما هو أصله نشأ وارتدى ثوبه القشيب وحقّق مراده قبل أن يوجد القضاء، بيد أن التحكيم كأداة لتسوية المنازعات بين الأشخاص له خصوصية قوامها أمران: الأول إرادة المحتكمين، حيث يتفقان على طرح النزاع على شخص معيّن أو أشخاص محدّدين، يفصلون فيه بحكم ملزم لهما، والثاني اعتراف النظام القانوني بتلك الإرادة، ومن هنا فإنّ التحكيم في حالة توافر الأمرين يقف على قدم سواء مع القضاء، بل يفوقه في بعض المنازعات – لا سيما التجارية منها– فهو يعني المرونة، ولذلك فهو يعيش الآن أوج تألقه في ظلّ عقود الاستثمار العابر للحدود.
ويعد التحكيم اتفاقا حقيقيا متكاملا، له أركانه وشروطه، سواء اتخذ شكل شرط أو مشارطة، وإن كان في الثاني أكثر وضوحاً منه في الأول، فالأول بمثابة عقد داخل العقد، ولا مراء في ارتباط اتفاق التحكيم بالاتفاق الأصلي ارتباطا عضويا ووظيفياً حسب الصورة التي تتّخذها([1]).
ويبقى التساؤل حول الارتباط القانوني بينهما؟ والإجابة عليه – بطبيعة الحال – لها انعكاسات على سطح العلاقات القانونية، إذ القول بوجود ارتباط قانوني بين اتفاق التحكيم والعقد الأصلي يعني أن بطلان العقد الأصلي يستتبعهُ بالضرورة بطلان اتفاق التحكيم([2])، وبالحتمية فإن القانون الواجب التطبيق على العقد الأصلي يكون هو ذاته الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم، وعلى النقيض تماماً، فإن القول بالاستقلال يعني أن بطلان العقد الأصلي لا يؤثر على صحة اتفاق التحكيم، وكذلك لن يوجد ارتباط حتمي بين القانون الواجب التطبيق على العقد الأصلي والقانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم.
لقد اتخذ القضاء الانجليزي في بداية الأمر مسار التبعية، استناداً إلى سابقة قرار مجلس اللوردات عام 1926م، في قضية تتلخص وقائعها في قيام أحد المتعاقدين باستخدام حقه في فسخ العقد، مما حدا بالطرف الآخر أن يطلب تعويضاً دون أن يعترض على اعتبار العقد مفسوخا، فدفع الأول بوجود شرط التحكيم، ذاك الدفع الذي رفضه مجلس اللوردات، مؤسساً ذلك على أنّ الفسخ قد نال العقد برمّته، بما في ذلك شرط التحكيم، وقد عبر عن ذلك اللورد (سميتر) بقوله: "إن شرط التحكيم ليس عنقاء، يمكن أن تعود للحياة بعدما غطاها رماد الموت"([3]).
غير أن الرأي قد استقر في الفقه([4]) والقضاء([5])على أن اتفاق التحكيم – أيا كانت الصورة التي أقرها شرط أو مشارطة- هو اتفاق مستقل عن العلاقة الأصلية بين الأطراف.
ويقصد باستقلال اتفاق التحكيم([6])انفصال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي الذي ورد فيه أو ارتبط به، بحيث ينظر دائما في تقدير صحة اتفاق التحكيم إلى ذات ماهيته، أي من حيث وجوده هو، لا من حيث وجود العقد الأصلي([7])، ومفاد ذلك أنّ اتفاق التحكيم يُشكل عقداً معادلا للعقد الأصلي، فاستقلال اتفاق التحكيم على هذا النحو يعكس نتيجة غاية في الأهمية وهي عدم ارتباط مصير اتفاق التحكيم بالعقد الأصلي، لا فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق، ولا فيما يتعلق بوجوده.
[1]- إذا كانت الصورة التي يتخذها التحكيم شرطا فإنه يرتبط بالعقد الأصلي ارتباطا عضوياووظيفياً،أما إذا كانت الصورة التي يتخذها الاتفاق مشارطه فإنه يرتبط بالعقد الأصلي ارتباطا وظيفياً
[2]- راجع د. مصطفى الجمال: ص67.
[3]- د . أحمد عمر بوزقية: أوراق في التحكيم،ص 60-61.
[4]- لقد كرست العديد من المعاهدات الدولية ولوائح هيئات التحكيم الدولية وكذلك التشريعات المنظمة للتحكيم التجاري – على حد ما أعلم – استقلال اتفاق التحكيم. راجع في ذلك تفصيلا د. حفيظة السيد الحداد: ص 13 وما بعدها .
[5]- راجع من القضاء الليبي والقضاء اللاتيني لاستقلال اتفاق التحكيم د. أحمد بوزقية: المرجع السابق، ص 61-62
[6]- د. أحمد عبد الكريم سلامة: ص467 وما بعدها.
[7]- د. أحمد مخلوف: ص 224 .
التنزيلات

التنزيلات
منشور
كيفية الاقتباس
إصدار
القسم
الرخصة
الحقوق الفكرية (c) 2021 مجلة دراسات قانونية

هذا العمل مرخص بموجب Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivatives 4.0 International License.