أهمية الرجوع الى قواعد الصياغة المدنية ، لتجلية بعض نظريات، التي تراكمت حولها الخلافات، في فروع القانون الأخرى

الملخص

الحقيقة أن صلة السببية هي واحدة من حيث طبيعتها في جميع أنواع المسئولية : خلقية كانت أم جنائية أو مدنية ، وان وجودها في جميع الجرائم - مقصودة كانت أم غير مقصودة - هو شرط أساسي متفرع عن فكرة الجزاء نفسها . ومن الجدير بالذكر أن الفقهاء الألمان إنما وضعوا أبحاثهم المشهورة في علاقة السببية ، وحددوا لها الضوابط والمعايير في الصعيد الجنائي بادىء ذي بدء ، تم نقلوا هذه الضوابط والمعايير إلى القانون المدني .

ومعلوم أن المشكلة السببية وجهين أساسيين : وجه تعدد الأسباب ووجه تسلسل النتائج .

ففي الوجه الأول : تتعدد الأسباب وتتعاقب العوامل التي انضمت إلى فعل الجاني و تضافرت و أسهمت في إحداث النتيجة الإجرامية .

اما الوجه الثاني : فإن النتائج الإجرامية هي التي تتعدد أي تتسلسل بعضها من بعض متولدة عن فعل (أو امتناع ) واحد قام به الحاني - و المثال التقليدي الذي يرويه الشراح على صعيد المسئولية المدنية في هذا الصدد، هو مثال الفقيه الفرنسي بوتييه Potier التالي : تاجر مواشي يبيع بقرة موبوءة، وهو عالم آنها موبوءة ، فتعدي مواشي المشتري وتموت ومعها سائر المواشي ، ولا يتمكن المشتري لذلك من زراعة أرضه ، فيعوزه المال ولا يستطيع الوفاء بديونه ، فيحجز الدائنون على أرضه ويبيعونها بثمن بخس ، وتصاب زوجته المريضة بصدمة عنيفة تودي إلى وفاتها ... الخ فهذه نتائج ضارة تأخذ برقاب بعضها بعضا : موت البقرة الموبوءة، عدوى المواشي وموتها ، العجز عن الزراعة ، العجز عن وفاء الديون ، بيع الأرض بثمن بخس ، ووفاة الزوجة ..الخ . فهي تتسلسل تسلسلا يباعد بينها وبين عمل الجاني بحيث تنقطع علاقة السببية ويصبح من غير المقبول إسناد كل هذه النتائج إلى فعل الجاني.