تقييم الفكر الاستشراقي لندرة الآيات القرآنية ذات المحتوي القانوني

Abstract

يتناول هذا البحث موضوعاً دقيقاً ومحدداً، وهو موقف المستشرقين^([1]) من ندرة الآيات القرآنية التي تضمنت قواعد ومضامين قانونية باختلاف نظرتهم إلى هذه المضامين، كما سنرى لاحقاً في هذا البحث.

فقد انطلق أغلب أولئك المستشرقين، الذين سنعرض لآرائهم من نقطة أساسية، وهي أن عدد الآيات التي خصصها القراَن الكريم لتلك المضامين القانونية قليل جداً، ولايمثل إلا نسبة قليلة جداً من مجمل عدد آيات القرآن الكريم، هذه الندرة (وهذا هو جوهر البحث وأساسه) دفعت أولئك الكتاب إلى اتخاذ موقف محدد تجاه القراَن الكريم ومكانته كوثيقة قانونية، هذا الموقف يمكن تحديده في مظهرين اثنين:

الأول: أنه وبسبب ندرة أو قلة عدد الآيات القانونية في القراَن الكريم فإن هذه الآيات بالنسبة لهم لم تتمكن أو تستطع أن تقدم نظاماً قانونياً متكاملاً (a comprehensive legal system ) قادراً على تقديم كافة الحلول القانونية لكل المشاكل والقضايا التي من الممكن أن تواجه الإنسان في مختلف العصور والبيئات، هذا الاستنتاج دفعهم إلى القول (وهذا بالنسبة لهذا البحث أكثر القضايا أهمية وخطورة) إن هذه الآيات ما هي إلا حلول فردية جاءت لمعالجة الوقائع التي كانت سبباً في نزولها، وأنها فقدت صلاحيتها للتطبيق في وقتنا المعاصر.

الثاني: إنه وبسبب قلة عدد الآيات القرآنية ذات المحتوى القانوني فإن هؤلاء المستشرقون اتخذوا من ذلك سبباً للقول بأن القراَن الكريم لا يمكن اعتباره مصدراً أساسياً في تكوين الفقه الإسلامي، وأن دوره في تأسيس وبناء هذا الفقه ما هو إلا دور تكميلي وثانوي.

كل هذه القضايا المشار إليها آنفاً سيتم مناقشتها في هذا البحث، وذلك في مبحثين اثنين، في المطلب الأول من المبحث الأول سيتم معالجة ومناقشة مفهوم الآيات القانونية في الفكر الاستشراقي، وإلى أي حد كان هناك توافق أو اختلاف بين المستشرقين أنفسهم حول المدلول الذي أعطي لهذه الآيات، وفي المطلب الثاني من هذا المبحث سنعرض لآراء المستشرقين المختلفة حول عدد الآيات القانونية في القراَن الكريم، وإلى أي حد كان للاختلاف في المفهوم أثر على اختلافاتهم حول عدد هذه الآيات.

وعدد هذه الآيات سيقودنا إلى المبحث الثاني، والذي سيخصص لجوهر هذا البحث وأساسه، وهو كيف نظر المستشرقون إلى ندرة آيات القراَن القانونية، حيث نتناول في المطلب الأول قضية ندرة الآيات القانونية، وإلى أي حد عدَّها أولئك المستشرقون مسؤولة عن عدم وجود نظام قانوني متكامل في القراَن، في حين نتناول في المطلب الثاني محاولة ربط المستشرقين لهذه الندرة بإعطاء القراَن الكريم دوراً ثانوياً في تأسيس الفقه الإسلامي.

وينبغي الإشارة هنا إلى أن دورنا في هذا البحث لن يقتصر فقط على عرض آراء هؤلاء المستشرقين، بل سيكون من غايات هذا البحث مناقشة هذه الآراء وإبراز ما يشوبها من قصور ناشئ عن جهل بغايات القرَاَن الكريم، وكذلك منهجه المتفرد في تناول موضوعاته المختلفة.

²- مصطلح "مستشرق" له معنى ثقافي وعلمي، فيقصد به العالم المختص باللغات والثقافات الشرقية، ومنذ نهاية القرن التاسع عشر أخذ مفهوم "المستشرق" بالتغير في أوجه عدة، بحيث أصبح المستشرقون خبراء داخل المجتمعات الغربية، في جوانب معينة من الإسلام، والمجتمعات الإسلامية.