الأثر المباشر او التطبيق المباشر للقاعدة الدولية في القانون الداخلي
DOI:
https://doi.org/10.37376/jols.vi24.1014Keywords:
الأثر المباشر او التطبيق المباشر للقاعدة الدولية في القانون الداخليAbstract
إذا كان تفوق القانون الدولي على القانون الداخلي ضرورة من الناحية النظرية، فإن طبيعة هذا التفوق تعتمد على مدى العلاقة بين القانون الدولي والقوانين الوطنية، فإذا كان القانونين يشكلان خطابا قانونيا واحدا، في نظر أصحاب المذهب الواحد (Monistes)([1])، وبمعنى آخر يصعب تطبيق أحكام القانون الدولي داخل النظام القانوني للدولة إلاإذاأصبح جزء منه، لذلك من الناحية النظرية حتى يوصف بأنه قانون دولي وجب أن يكون في مرتبة أعلى من القانون الداخلي، وعلى اعتبار أن للدولة سيادة، ولها قانونها الوطني الخاص بها،فيجب عليها الالتزام بأحكام القانون الدولي، واحترام التزاماتها المنوطة بها دوليا، ومن ثم لا تستطيع الادعاء بعدم كفاية أو عدم ملاءمة تشريعاتها الداخلية من أجل إعفائها من مسئوليتها الدولية([2]).
لقد اعترفت محكمة العدل الدولية الدائمة بأن الدولة تقوم كوريثة بين القانون الداخلي وتابعيها من الأفراد، وذلك من خلال رأيها الصادر في 3 مارس 1928م، والمتعلق بمحاكم دانزيغ (Dantzig)، حيث يستبعد التأثير المباشر عندما يُعرب الموقعين على المعاهدة عن رغبتهم في الإنشاء منذ البداية عن الحقوق الخاصة الصريحة للأفراد، أي عدم انطباق القانون الدولي على الأفراد([3])،كما أكدت ذلك محكمة العدل الدولية، حيث اعترفت بالقانون الداخلي "كمبدأ معترف به بشكل عام"، مما يعني أن فكرة الأثر المباشر لم تكن معروفة سابقا في القانون الدولي، ولكن هل الأمر استمر على ما هو عليه، أم أن هناك تغيرا حصل حول هذه الفكرة([4]).
بداية القاعدة هي أن الأثر المباشر (L'effet direct) لأي اتفاقية دولية هو نتاج إرادة الأطراف المتعاقدة في الاتفاقية، ولذلك يمكن أن تظهر وتعلن هذه الإرادة بشكل صريح وواضح، كما هو الشأن في المادة الأولى من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ونصها (تعترف الأطراف المتعاقدة السامية لكل شخص خاضع لولايتها القضائية بالحقوق والحريات المعرفة في القسم I من هذه الاتفاقية)([5](، كما يمكن أن يستخلص القضاء هذه الإرادة ضمنيا في إحداث الأثر المباشر من خلال سياق المعاهدة أو بعض بنودها واتجاه إرادة الأطراف نحو ذلك.
ويعبر عن هذا المفهوم القانوني (الأثر المباشر) بعدة مسميات أو مصطلحات وهي:
- القابلية للتطبيق مباشرةL'applicabilité direct.
- التأثير المباشر.Impact direct
- ويوصف بطابع التطبيق التلقائي.Caractère exécutoire
- أو ذاتية التطبيق.Auto-application
والمقصود بالأثر المباشر هو إعطاء الإمكانية للمتقاضيين من إثارة القاعدة الدولية والاحتجاج بها والاستفادة منها أمام القاضي الداخلي، دون الحاجة إلى اتخاذ أي إجراء أو وسيلة لتبني تطبيقها أو تنفيذها في النظام القانوني الداخلي للدولة العضو، وبعد أن يتم التأكيد على أن المعاهدة تم استقبالها في النظام القانوني الوطني من قبل القاضي، سواء عبر آلية التطبيق أو غيرها من الوسائل الأخرى، يبحث هنا القاضي الوطني أولا في نية المتعاقدين في منح المعاهدة أو جزء منها أثرا تطبيقيا مباشرا من عدمه، ثم يبحث ثانيا في مدى قابلية القاعدة للتطبيق مباشرة بعد معاينتها بشكل دقيق وكامل، ولذلك فالأثر المباشر يشير إلى قدرة المعاهدات على خلق حقوق للأفراد في تعاملهم مع الدول الأعضاء في المعاهدة أو في علاقاتهم مع الأفراد الآخرين، وفي الحالة الأولى يكون الأثر المباشر في اتجاه رأسي، وفي الحالة الثانية يتم تنفيذه أفقيًا.
غير أن الاتفاقيات الدولية عادة ما تتضمن بنودا أو ألفاظا أو مصطلحات غامضة أو عامة فضفاضة، تعلن بموجبها الدول الأطراف أنها ملتزمة باحترام الحقوق الواردة في الاتفاقية، وليس بتقرير حقوق للأفراد وتطبيقها داخليا بموجبها، الأمر الذي يدعو إلى الاعتقاد بأنه لا يعدو كونه التزاما دوليا على الدولة الطرف في الاتفاقية، وليس قاعة قانونية ذات تطبيق مباشر في النظام القانوني الداخلي، ولذلك فإن غموض صياغة الاتفاقية الدولية يُمكّن القاضي الوطني من استخدام التفسير، لأن الدقة والوضوح في الصياغة يرفع اللبس أو الإرباك عن القاضي الوطني في تطبيق القاعدة القانونية بشكل مباشر وتلقائي.
والنحو السالف بيانه يعطينا تفسيرا واضحا لاعتراف القضاء الفرنسي بالأثر المباشر للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ورفض ذات القضاء الاعتراف بالأثر المباشر للعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وسبب ذلك أن الأخير قد جاء على هيئة أهداف يقصد تحقيقها، ومن ثم وجب فحص كل حالة أو قاعدة اتفاقية بشكل مستقل ودقيق وواضح، وهل يتوفر فيها الأثر المباشر أو لا، وهذا ما دعا مجلس الدولة الفرنسي للتراجع، واصدار قرار يعترف فيه للمادة 24 من الميثاق الاجتماعي الأوروبي بالأثر المباشر، أي لا يعترف لكل أحكام الميثاق المذكور بنفس الأثر([6]).
القرار المشار إليه أكد بأن مواد الاتفاقية الدولية المدرجة في النظام القانوني الفرنسي، وفقا لما جاء في الدستور الفرنسي (المادة 55)، يمكن تطبيقها داخليا والاستفادة منها في المطالبة بعدم تطبيق قانون أو طلب إلغاء قرار إداري لا يتوافق مع القاعدة الدولية، لأن الأخيرة تنشئ حقوقا ومراكز قانونية للأفراد، وجب حمايتها وتغليب تطبيقها. وقد أعلنت محكمة العدل للاتحاد الأوروبي اختصاصها المانع لبعض الحالات لتحديد الأثر المباشر لها في المعاهدات، واستثناء من ذلك أي الحالات المعلن عنها من قبل المحكمة المشار إليها (أي ما يتعلق بالنظام القانوني المجتمعي الأوروبي)، فمواد أو بنود أي معاهدة دولية يجب على القاضي الإداري الفرنسي أن يقر لها بالأثر المباشر، طالما أن نية الدول المتعاقدة الصريحة والواضحة متجهة إلى هذا الأثر، وذلك بالنظر إلى موضوعها ومضمونها وصياغتها، بحيث لا يكون الهدف المقصود والحصري من الاتفاقية الدولية هو تنظيم العلاقات فيما بينها، بل ولا يحتاج الأمر إلى تدخل عمل قانوني لاحق على الاتفاقية مكمل لها، لكي تُحدث آثارها تجاه الأفراد([7]).
-[1]في القانون الدولي تعتبر النظرية الأحادية أن المعاهدات الدولية قابلة للتطبيق مباشرة في القانون المحلي للبلاد، كما هو الحال في فرنسا، بسبب موقعها المتفوق، ومن ثم لا يجب نقلها إلى القانون المحلي للحصول على القوة القانونية، كما هو الحال مع النظرية الثنائية .وفي الواقع تقوم النظرية الأحادية على المبدأ القائل بأن القانون الدولي والقانون الوطني ينتمي كلاهما إلى نفس الشخص والكيان القانوني. - Cf. J. Gascon Y Marin: P.30 .
[3]-Publications de la Cour permanente de justice internationale. Série b – n° 15. Le 3 mars 1928. Recueil des avis consultatifs. Compétence des tribunaux de Dantzig. P.24.ss.
[4]- حسام عبد العال: ص 51.
[5]- في 4 نوفمبر 1950 تم التوقيع على الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في روما، ووضعت هذه الاتفاقية داخل نطاق مجلس أوروبا، والغرض منها تحديد عدد من الحقوق الأساسية، وإنشاء آلية مراقبة ومعاقبة لضمان احترام الدول الموقعة لهذه الحقوق، وتم تعريف الحقوق المضمونة بموجب الاتفاقية نفسها، مع استكمالها ببروتوكولات إضافية، تجمع بين الحقوق والحريات للأفراد، والمحظورات والالتزامات الواقعة على الدول الموقعة.
Conseil de l'Europe. Série des traités européenne. n°5. Convention de sauvegarde des Droits de l'Homme et des Libertés fondamentales telle qu'amendée par les Protocoles n°11 et n°14* Rome, 4.XI.1950.
[6]-Conseil d'Etat. 10 février 2014. Décision N°358992
ومع ذلك، ومنذ صدور حكم Fischer في 10 فبراير 2014، اعترفت المحكمة الإدارية بطريقة غير مسبوقة بالتأثير المباشر لبعض أحكام الميثاق الاجتماعي الأوروبي، ولا شك في أن هذا الانعكاس في الموقف القضائي كان بسبب تأثره بالفقه القانوني لكل من حكمي GISTI و FAPIL لعام 2012 الذي حدد فيه مجلس الدولة معايير الأثر المباشر للمعاهدات الدولية.ومع ذلك، ليس من المؤكد أن هذه المعايير تخضع لتطبيق واضح وموضوعي، كما هو موضح في السوابق القضائية المتعلقة بالميثاق الاجتماعي الأوروبي، ويستند السؤال بالتالي على ملاءمة هذه المعايير والحفاظ على حالة التأثير المباشر بشكل عام.
Carole NIVARD. L’effet direct de la Charte sociale européenne devant le juge administratif – Retour sur la question évolutive de l’effet direct des sources internationales. RDLF 2016, Chron. n°22. Revue des droits et libertés fondamentaux.
تمت زيارة الموقع بتاريخ : 31.12.2018
Downloads

Downloads
Published
How to Cite
Issue
Section
License
Copyright (c) 2021 Journal of Legal studies

This work is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivatives 4.0 International License.