مهمة المشرع العربي في ضوء النصوص الدستوري التي تجعل الشريعة الاسلامية مصدر للتشريع

Authors

  • أ.د.عوض محمد عوض

DOI:

https://doi.org/10.37376/jols.v3i.2020

Abstract

تمهيد: موقف الدساتير العربية من الشريعة الإسلامية

كلما همت إحدى الدول العربية بإصدار دستور جدید تجاوبت أرجاؤها دعوة إلى النص فيه على حكم يجعل الإسلام منزلة خاصة في تنظيم شئون الحياة . وتقرر الأغلبية الساحقة من الدساتير العربية أن الإسلام دين الدولة ، بعض الدساتير نصوص تجاوز هذا المدى فتجعل الإسلام مصدراً رئيسياً سريع . وتحرص بعض الدساتير العربية على تأكيد المصدرية فتنص صراحة أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع .

و البحث عن دور المشرع العربي في ظل هذه النصوص يقتضي تحديد تسمية هذا المشرع ابتداء . فكل مشرع يتحدد دوره تبعاً للموقف الدستوري ي تقفه دولته من الشريعة الإسلامية . والدساتير العربية في هذا الشأن -  قدمنا - اتجاهان رئيسيان : 

(1) اتجاه يكتفي بالنص على أن الإسلام دين الدولة . 

(2) و اتجاه ينص على أن الإسلام مصدر رئيسي للتشريع .

فأما الاتجاه الأول فلا يلزم المشرع في القضية المطروحة بشيء يستحق ذکر . والنص الدستوري على الإسلام بتلك الصيغة خاطىء من وجه ، رغم من المعنى من وجه آخر . وكل ما للنص بصيغته الراهنة من دلالة أن دلالة التي يحكمها هذا النوع من الدساتير ليست دولة علمانية أو لا دينية ، هي دولة يدين شعبها كله أو سواده يدين تعترف به الدولة على الملأ تنكره. 

ووجه الخطأ في النص الدستوري بهذه الصيغة أنه يتجاهل حقيقة الإسلام ويعامله كما تعامل شعوب أخرى دينها ، رغم ما بين الإسلام وبعض الأديان من اختلاف كبير . والواقع أن النص الدستوري على هذا النحو يجعل الإسلام إسلامين يمكن لأحدهما أن ينهض بمفرده ويحتفظ باسمه ، أو هو بعبارة أدق بتصور إمكان قيام الأول دون الثاني . فأما الإسلام الأول فهو الإسلام كعقيدة و شعائر ، وأما الثاني فهو الإسلام كنظام يحكم العلاقات بين الأفراد ، وبينهم وبين الدولة ، وبين الدولة وغيرها من الدول. والدساتير العربية التي تنزع إلى الاتجاه الأول إنما تقصد بالإسلام إسلام العقيدة والشعائر لا الإسلام كنظام يحكم شئون الحياة . فكأن الدولة بذلك النص تبرز في دستورها طابعة دينياً يميز شعبها أو سواده . والنص من هذه الزاوية أقرب شبها بالنص على شعار الدولة ونشيدها الوطني ولون علمها. والملاحظ أن كثيرا من الدساتير العربية تستهل موادها بالفعل بالنص على هذه الأمور على التوالي . 

ولا شك أن هذا الفهم خاطىء، لأن الإسلام نظام كلي شامل ، فهو لا يقبل التبعيض . وإذا كانت بعض الدساتير العربية تصر على فهم الإسلام على هذا النحو ، فهذا الإصرار لا يغير من حقيقة الإسلام ، ولكنه يدمغها هي بالتناقض ، لأنها تجزئ ما لا يقبل التجزئة. ونحن لا نقرر ذلك انسياقا وراء عاطفة دينية ، ولكنا نقرره استنادا إلى فهم علمي صحيح لطبيعة الإسلام . 

وقد انتقلت هذه البدعة إلى الدساتير العربية من الغرب . ولم تفطن الدول الإسلامية إلى أن طبيعة الدين المسيحي ، والتاريخ السياسي للكنيسة في اوربا في العصور الوسطى يبر ران جعل الدين مجرد معتقد، ويسمحان للدولة بتنظيم مختلف شئون الحياة بقوانين وضعية خالصة . أما الإسلام فلم يقتصر على جانب العبادات وحده، بل واجه شئون الحياة على اختلاف صورها، وتناول كثيرة منها بالتفصيل ، واجتهد فقهاؤه من قديم فاستخلصوا قواعد أصولية أعانتهم على استنباط أحكام لسائر الشئون . فليس في طبيعة الإسلام إذن ولا في تاريخه السياسي على الإطلاق ما يبرر الجفوة القائمة بين النظم الوضعية وأحكامه الشرعية . 

هذا عن وجه الخطأ المنطقى في دساتير دول الاتجاه الأول ، أما خلو هذا الاتحاد من المعنى فتعبير بالغ الكياسة . والحق أن واضعي النص لم يريدوا به إلا تملق الجماهير وخداعها في الوقت نفسه . فالجماهير العربية لم تكن تطلب مجرد شعار ديي ، بل كانت تطلب نظام إسلامية أصيلا . وقد قدم لها النص بزعم أنه يحقق لها ما تريد، وهو في حقيقة أمره لا يعني شيئا . 

وعلى أي حال فليس موضوع البحث هو تحديد الموقف الذي ينبغي أن تققه الدساتير العربية من الشريعة الإسلامية ، وإنما موضوع البحث هو تحديد دور المشرع العادي في ظل النصوص الدستورية التي تجعل الشريعة الإسلامية مصدرة للتشريع . 

وينبغي التسليم بأن المشرعين في دول الاتجاه الأول غير ملزمين قانونا باتخاذ الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع ؛ فالنص الدستوري في دولهم لا يقرر هذا الالتزام. والرأي متفق على ذلك ، والواقع يؤكده . فالمشرع في هذه الدول يسن من القوانين ما يراه ملائمة لمجتمعه و مناسبة لظروفه ، دون أن يجهد نفسه في البحث عن مدى موافقة أو مخالفة هذه القوانين الأحكام الشريعة . وليس معنى ذلك أن تشريعات هذه الدول تتعارض كلها مع أحكام الشريعة ، وإنما يختلف البعض منها ويتفق البعض الآخر . غير أن الاتفاق أمر عارض غير مقصود لذاته ، فهو في أغلب الأحوال مجرد توافق لا اتفاق . ومما يجدر ذكره أن بعض النظم التي سبق إليها فقهاء الشريعة عجزت عن إقناعنا بجدواها ، فلما ارتدت زية غربية بهرتنا فاعتنقناها . ويمكن الاستشهاد على صحة ذلك بما أثبته أستاذنا المرحوم الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كثير من مؤلفاته . 

أما الاتجاه الثاني فأكثر إنصافا تالشريعة ، لأنه ينظر إليها ، لا على أنها مجرد عقيدة وشعائر ، بل باعتبارها كذلك مصدرة يمكن أن تستمد منه الأحكام . والدول التي تنحو هذا المنحى قسمان : قسم كانت الشريعة وما تزال هي العمدة في تنظيم شئون حياته ، کالسعودية ، ويسود فيها مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، واليمن، ويسود فيها المذهب الزيدي ، وقسم كان إلى أمس القريب يتعامل مع الشريعة بصفة عامة على أنها مجرد عقيدة . وأبرز دول هذا القسم دولة اتحاد الجمهوريات العربية التي تضم كلا من مصر وسوريا وليبيا ، وقد حدث التحول فيها بصدور دستور دولة الاتحاد في ۱۹۷۱-4-۱۷. وتنص المادة السادسة من هذا الدستور على ما يلي : «توکد دولة الاتحاد على القيم الروحية وتتخذ الشريعة الإسلامية مصدرة رئيسية التشريع ». ودور المشرع في دول هذا القسم أكثر دقة من دوره في دول القسم الأول لعدة أسباب : 

أولها : أن هناك أعداد ضخمة من التشريعات السابقة على صدور الدستور ، منها ما يوافق أحكام الشريعة ومنها ما يخالفها ، وعلى المشرع أن يحدد موقفه من التشريعات الأخيرة : هل يسعة الإبقاء عليها ، أو يلتزم قانونا بمراجعتها وتعديلها بما يتفق والغاية التي دعت إلى تقرير المبدأ الجديد ؟ وإذا كان الفرض الثاني أرجح فما هو الجزاء الذي يترتب على قعود المشرع عن القيام بواجبه ؟ 

والثاني : أن نص الدستور لم يلزم المشرع باتباع مذهب معين من المذاهب الفقهية المعروفة، بالرغم من أن كت كبيرة من شعوب دول القسم الثاني تتبع مذاهب مختلفة . وهذا الإطلاق إن كانت فيه ميزة المرونة ، إلا أنه عند التطبيق قد يثير بعض المصاعب . 

والثالث : أن الشريعة الإسلامية ظلت قرابة قرن من الزمان معزولة عن تنظيم شئون بعض المجتمعات العربية ، وقبل ذلك كان باب الاجتهاد موصدة أو مقيدة لعدة قرون. وفي خلال ذلك كانت الحياة تجري على سنتها الخالدة ، لا تجمد ولا تقف ، بل تتغير وتتطور . وليست مهمة المشرع في دول حديثة يسرع فيها إيقاع الحياة ويتزايد نبضها أن يقنن أحكام شرعية فحسب ، فهذا العمل نصف ما عليه ، بل لعله أقل من نصفه ، وقد يعود بالنقض على أصل التزامه . وإنما و أجبه الأساسي أن يقنن أحكامة لا تشل حركة مجتمعه ، بل تدفعه نحو التطور والتقدم دفع . فالالتفات إلى الشريعة و العزم على العمل بأحكامها لم يكن مبعثه الرغبة – ولا الرضا – بالحمود أو التخلف ، بل التطلع إلى حياة أفضل . والولاء للمجتمع لا يتعارض مع الولاء للشريعة ، بل إن الولاء الحق لها هو بالضرورة ولاء للمجتمع ، لأن الإسلام لم يجيء لإعنات الناس، بل جاء رحمة بهم وهداية لهم . وإذن فواجب المشرع أن يقن للناس من الشريعة أحكاما تستقيم بها حياتهم ولا تضطرب ، ويستمر بها تطورهم ولا ينتكس ، وتيسر عليهم حياتهم فلا ترهقهم من أمرهم عسرة . فكيف يتسنى للمشرع أن يوفق بين الرغبتين دون أن يقع في الحرج فيلفي نفسه مرغمة على التخلي عن إحداهما في سبيل الاخرى ؟. 

وسوف نقصر بحثنا على دراسة بعض المسائل التي يثيرها نص المادة السادسة من دستور دولة اتحاد الجمهوريات العربية لما بيناه من دقة موقف المشرع العربي في كل من مصر وسوريا وليبيا . 

Downloads

Download data is not yet available.

Published

1973-06-02

How to Cite

محمد عوض أ. (1973). مهمة المشرع العربي في ضوء النصوص الدستوري التي تجعل الشريعة الاسلامية مصدر للتشريع. Journal of Legal Studies, 3. https://doi.org/10.37376/jols.v3i.2020

Issue

Section

Articles