نسبية الأثر المترتب على إجراءات المرفعات
DOI:
https://doi.org/10.37376/jols.vi19.914Keywords:
نسبية الأثر المترتب على إجراءات المرفعاتAbstract
يصف البعض الفقه الإجــرائى بأنه فقه تحليلى ، وأن هذه هى طبيعته الحقيقية ، التى ترجع إلى ما تتسم به قواعد الإجــراءات من عدم الاستقرار ومن عدم الارتبــاط ، ففقــه الإجــراءات لايزال حتى اليوم فقه مســائل fragmentaire أساسه استقراء كل حالة على حدة وبمناسبتها .
وآية ذلك أن ماينشر فى شأنه من أبحاث ودراسات ــــ باستثناء المطولات والمراجع المتداولة ــــ إنما يتناول أشتاتاً من مسائل الإجراءات ، وهو يشبه إلى حد كبير الفقه الشرعى الذى جرى على وضع الحلول لكل حالة بمناسبتها ككتب الفتاوى التى عنى بوضعها فقهاء الشريعة الإسلامية من مختـــلف المذاهب [1] ، وهذا لاينتقص من شأن القــانون الإجرائى ، وإنما ينسجم مع ما تتصف به قواعده الشكلية ، وهذا مادعانا إلى أن نطرق فكـرة ومبدأً عاماً يجمع عليه الفقــه القــائم ، ألا وهو مبــدأ " نسبـــية إجراءات المرافعــات " .relativite` des actes de proce`dure
وهو مبدأ كما يقال "يسيطر على مختلف الأفكار الإجرائية "[2] ،نظرا لما يتمتع به هذا المبدأ وهذه القاعدة من سطوة على الأعمال الإجرائية التى تولد آثاراً إجرائية بمعزل عن إرادة الخصوم .
ولا ريب أن الأعمال الإجـرائية يصممها المشرع الإجرائى آخذاً فى الاعتبار الهدف الذاتى لكل عمل على حدة ، والهدف العام لهذا العمل داخل المنظومة الإجرائية التى يعمل بها ، ولذلك ترتبط الأعمــال الإجرائيـة ارتباطا لا يقبل الفصم بمنظومــاتها الإجرائية ، لا تحل بعضـها محل البعــض الآخر ، ولا تقبل الانتقال من منظومة إلى أخرى ، لأنها لن تعمل إطلاقا ، وهى فى النهاية تقوم على خدمة الحق الموضوعى وليس لها هدف آحر غير ذلك [3] .
وسبب اختيارنا لهذا الموضوع هو أن كثيراً من شراح قانون المرافعات يذكرون هذا المبدأ فقط عند حديثهم أو تناولهم لقاعدة " نسبــية آثــار الطعــن " بل وعند شرحهم لنص المادة 305 مرافعات ليبى ، 218 مرافعات مصرى .
ومن المعلوم أن هذه القاعدة الأخيرة ـ نسبية الطعن ـ ماهى إلا تطبيق من تطبيقات المبدا السابق " نسبية الأثر المترتب على أعمال المرافعات " ، ولذلك سوف نحاول استخلاص ضوابط هذا المبدأ وجمع شتاته من كتب شروح قانون المرافعات حتى لا يكون هناك تداخل بين المبدأ وتطبيقاته ويقتضى شرح هذا المبدأ إجلاء الغموض الذى يحيط بفكرة " النسبية " ، لأن هذه الفكرة تثير كثيرا من التساؤلات على الصعيد الإجرائى لما تمتع به من سطوة وهيمنة على الأعمال القضائية المختلفة . ولذلك فستكون محاولتنا الأولى ــــ بل الأساسية ــــ هى الكشف عن ماهية هذا المبدأ ومفترضاته ولم يكن فى وسعنا لتحقيق ذلك إلا أن نعتمد أساسا على جهود الفقه والقضاء فى هذا المجال ، ثم إذا كان مبدأ النسبية فى مجال الإجراءات يفترض ـ كما سنرى ـ تعدداً فى أطراف الخصومة فإن هذا التعدد يثير مشكلة تتعلق بأثر هذا التعدد خاصة إذا كنا أمام التعدد الحتمى فمن المعروف أن الخصوم فى هذه الحالة " لا يتمتعون باستقلال فى مراكزهم الإجرائية " [4] ، إذ تكون الخصومة غير قابلة للتجزئة ، وإعمال مبدأ النسبية فى مثل هذه الحالة يصطدم بهذه الفكرة ـ عدم التجزئة ـ بحيث لا يستساغ فى المنطق أو القانون أن ينفرد بعض الخصوم بحل يغاير حلا آخر فى ذات النزاع الواحد مما يتعين على الخصوم تنسيق مواقفهم فى الخصومة [5] ، وفى مثل هذه الحالات من المصلحة توحيد الإجراءات حتى لا تتعارض الأحكام فى موضوع واحد لا يتصور فيه التعارض ، إضافة إلى أن التعدد فى أطراف الخصومة يؤدى إلى العديد من الإنعكاسات الإجرائية فمن الممكن للغير أن يتأثر أو يؤثر فى الخصومة المنعقدة والتى يعتبر هو أجنبيا عنها [6] .
وقد يترتب على ذلك أيضا، أن يكتسب الخصم مكنــة إجرائية لم يكن ليكتسبها ، لو أنه يواجــه خصما واحدا كما قد يقع عليه عبء إضافى بسبب تواجده مع غيره فى خصومة واحدة .
ولذلك فإن هذا المبدأ يمس بشكل أو آخر البعض من الأصول العامــــة والمبادئ الكليــة فى قانون المرافعات ( ثبات الخصومة ــ تطور النزاع ــ الإرتباط ... الخ ) ، وهذه الصلة فى نواحيها المتعددة تضع الباحث أمام ضرورة محاولة التوفيق بين هذا المبدأ والقواعد العامة لقانون الإجراءات .
وسنشير فى سياق هذا البحث إلى أن الأعمال الإجرائية التى يمارسها الخصوم فى الخصومة إما أن تكون حقوقاً إجرائية أوواجبات إجرائية ، هذه الحقوق والواجبات تتمتع بكونها نسبية لا تخضع لتقدير من أحد مهما كان من تقررت له ، بل إن استخدامها يجب أن يكون بالقدر اللازم لتحقيق الغاية أو المصلحة منها [7] ، فالحق الإجرائى كحق شخصى لا يحتج به ، ولا ينتج أثره إلا فى مواجهة شخص أوأشخاص معينين .
(5 ) ثم إذا كان العمل الإجرائى هو الذى يرد عليه أغلب الجزاءات الإجرائية فهل يمكن القول إن مبدأ النسبــية يهيمن على فكرة الجزاء الإجرائى ؟ وكيف يمكن التمسك بالجزاء فى حالة تعدد الخصوم فى الدعوى الواحدة ؟
وسوف نعرج فى ثنـايا هذا البحث ــــ كلما وردت مناسبة لذلك ــــ لقاعدة نسبية أثر الطعن ،والتى كما أسلفنا تعد تطبيقاً من تطبيقات المبدأ السابق " نسبية الأثر المترتب على أعمال المرافعات " .
ثم إذا كانت الحقيقــة القضـــائية la verite` judiciaire ذات طـــابع نسبي [8] ومرهونة بما يقدمه الخصوم من أدلة ، فإن الحكم لا يحتج به إلا بين خصوم الدعوى التى صدر فيها ولا يحوز الحجية إلا بينهم .
أما إذا اقتصر حضور الشخص أمام المحكمة على مجرد تقديم بيانات أوتسليم مستندات فى حوزته ، دون أن يشارك باقى الخصوم فى تداول الطلبات القضائية [9] ، فإن ذلك لا يجعل منه خصما حقيقيا فى الدعوى القضائية ، ومن ثم لا يكون الحكم الصادر فى تلك الدعوى حجة عليه فحجية الحكم لا تقوم إلا بين من كانوا أطرافا فى الخصومة أوممثلين فيها تمثيلا صحيحا ، لذلك فلا يمكن أن تكون للحكم أية حجية على من كان خارجا عن الخصومة ولم يكن ممثلا فيها أو طلب شيئا أو طلب منه شىيئ [10] . وهاتين القاعدتين الأخيرتين وهما نسبية الطعن ، ونسبية حجية الشيئ المحكوم فيه تناولهما الفقه فى مؤلفاته العامة بالتفصيل ، كما كانتا محلا لعديد الرسائل والمؤلفات ، ولذلك سوف نحيل عليها [11] . ثم إذا كان هذا المبدأ ـــ نسبية الأثر المترتب على إجراءات المرافعات ـــ ينطبق على كافة الأعمال الإجرائية فى الخصومة ، سواء أكان ذلك أمام محكمة الدرجـــة الأولى ، أوحتى محكمة الطعــن ويستوى أن يكون هذا العمل حقـــاً إجرائياً ، أوواجباً إجرائياً ، فإنه لكى تصل هذه الدراسة إلى غايتها فإنه يجب تطبيق ذلك على جميع ما ذكرنا .
وللحديث عن كل مسألة من هذه المسائل سنقوم بقسمــة البحث الذى نحن بصدده إلى ثلاث مباحث :
المبحث الأول : مفترضات مبدأ نسبية الإجراءات والمبررات التى يقوم عليها
المطلب الأول : ماهية المبدأ ومفترضاته
المطلب الثانى : المبررات التى يقوم عليها مبدأ نسبية الإجراءات
المبحث الثانى : الأثر النسبى لإجــــراءات المرافعات
المطلب الأول : الطابع النسبى لأعمال المرافعات
المطلب الثانى : نسبية الحقوق الإجرائية
المبحث الثالث : الأعمال متعدية الآثاروالأثر النسبي لللجزاء الإجرائى
المطلب الأول : الأعمال متعــــدية الآثار
المطلب الثانى : الأثر النسبى للجزاء الإجرائى
Downloads

Downloads
Published
How to Cite
Issue
Section
License
Copyright (c) 2021 Journal of Legal studies

This work is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivatives 4.0 International License.