التنظيم الدستوري لنظرية الضرورة في ليبيا

Authors

  • Omar Mubarak Abdullah

DOI:

https://doi.org/10.37376/jols.vi23.993

Keywords:

التنظيم الدستوري لنظرية الضرورة في ليبيا

Abstract

حظيت نظرية الضرورة باهتمام أغلب فروع القانون، حيث تضمنت نصوصاً عامة تحدد شروطها وتبين آثارها، وبالتالي فإن شرعيتها مستمدة من تلك النصوص التي نظمتها وأوضحت أحكامها، ووجدت تطبيقات مختلفة لها في معظم فروع القانون، فقانون العقوبات مثلاً يأخذ بها في حالة الدفاع الشرعي، فلا يسأل جنائياً ولا يعاقب من ارتكب فعلاً دفعته لارتكابه ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطرٍ جسيمٍ على النفس([1])، والقانون الخاص تبنى أيضاً نظرية الظروف الطارئة، ويأخذ القضاء الإداري بنظرية الضرورة في مجال القانون الإداري، حيث لم يعتبر مجلس الدولة الفرنسي الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي خطأ من جانب الإدارة، إذا كان سيترتب على تنفيذه إخلال جسيم بالأمن العام، وتقرر هذه النظرية للإدارة الحق في القيام بالإجراءات المستعجلة اللازمة لدفع كل خطر يهدد الأمن أو الصحة العامة دون تقيد بالقوانين واللوائح، بل تسمح هذه النظرية للإدارة بتعديل التزاماتها التعاقدية، كما تقرر هذه النظرية للمتعاقد مع الإدارة حقوقاً تسمح بإعادة التوازن المالي للعقد إذا طرأت ظروف استثنائية أثرت على هذا التوازن([2]).

وفي مجال القانون الدستوري حيث تتعرض الدول لأزماتٍ داخليةٍ أو مخاطر خارجيةٍ، تهدد كيانها واستقرارها، وتشل عمل مؤسساتها، وتتمثل هذه الأزمات والمخاطر في الفتن والاضطرابات والمظاهرات العنيفة غير السلمية، وفي الهجمات والعمليات الإرهابية والأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية الخانقة، وقد تكون في شكل كوارث طبيعيةٍ أو حروبٍ وعملياتٍ عسكريةٍ، تتسبب في تهديد كيان الدولة والمجتمع، وتصبح النصوص الدستورية والقانونية غير كافيةٍ أو عاجزةٍ عن مواجهة الخطر الذي سببته الأزمة أو الحرب، وتتطلب المعالجة رفع القيود على إرادة السلطة العامة، ومنحها اختصاصات استثنائية على غير المألوف في الظروف العادية، بحيث تستطيع السلطات العامة من أجل مواجهة الأخطار والأزمات اتخاذ تدابير وإجراءات استثنائية، والخروج عن مقتضى أحكام الدستور، وتقييد الحريات العامة، وأحياناً تعليق التمتع بها بالقدر الذي يرفع الخطر، ويساهم في عودة الأمن والاستقرار للدولة، واستعادة السلام والنظام وفرضه من جديد، وهو الأمر الذي قد يسفر عن نتائج مفجعة، ليس فقط للأشخاص المتضررين من القيود المفروضة على حرياتهم فحسب، بل كذلك لمبدأ المشروعية وسمو الدستور والعدالة أيضاً.

ولذلك ظهرت في الفقه والقضاء المعاصر نظرية الضرورة التي تجيز للسلطات العامة، بناء على توافر شروطٍ وضوابط معينةٍ، الخروج على مقتضى القواعد الدستورية والقانونية، وإعطائها قدراً من الحرية في التصرف دون خشية العقاب أو الوقوع في حوبة مخالفة مبدأ المشروعية الدستورية لإنقاذ الدولة من خطرٍ داهمٍ أو أزمةٍ اقتصاديةٍ أو ماليةٍ أو سياسيةٍ .... إلخ. انطلاقاً من أن سلامة الدولة فوق كل اعتبارٍ.

فعندما تتعرض الدولة إلى خطرٍ جسيمٍ وحالٍ، يخشى معه أن يهدد كيان الدولة ومؤسساتها الدستورية، وتفشل القواعد القانونية التي وضعت للظروف العادية في مواجهته، فهنا تجد الدولة نفسها مضطرةً لمخالفة الدستور والقوانين العادية من أجل مواجهة هذا الخطر

الداهم الذي يهدد كيان الدولة، ويقوض الأمن والسلام والاستقرار، ووفق شروطٍ وضوابط تكاد تتفق عليها أغلب الدساتير.

وستتركز دراستنا في هذا البحث على نظرية الضرورة في القانون الدستوري، وهي الأساس الذي تستند إليه السلطة التنفيذية في اللجوء إلى الوسائل القانونية الاستثنائية لدفع الخطر الجسيم الحال. ومن هنا تبرز أهمية البحث في دراسة نظرية الضرورة كأحد أهم الاسـتثناءات التي ترد على مبدأ سمو الدستور ومبدأ المشروعية الدستورية، كما تكتسب أهمية خاصة في أوقات الأزمات التي تتعرض لها الدولة، ونظراً لهذه الأهمية الحساسة فإن هدف الدراسة هو تسليط الضوء على نظرية الضرورة ودراستها وبيان ماهيتها، ومدى وجودها في القانون الدستوري الليبي، وما هو موقف مشروع الدستور الليبي الجديد منها؟ وكيفية معالجته لها، من خلال خطة بحثية تتضمن مبحثين، نتناول في الأول مفهوم نظرية الضرورة وشروط تحققها، ونخصص الثاني للتنظيم القانوني لها مع بيان موقف المشرع الدستوري الليبي منها، وننتهي بخاتمة نعرض فيها أهم النتائج والتوصيات.

[1]- نصت المادة 72 من قانون العقوبات الليبي على أنه "لا عقاب على من ارتكب فعلاً أرغمته على ارتكابه ضرورة إنقاذ نفسه من خطر محدق يهدد بضرر جسيم للنفس على وشك الوقوع به أو بغيره، ولم تكن لإرادته دخل في حلوله ....".

[2]- د. يسري محمد العصار: ص21.

ونصت المادة 147 من القانون المدني الليبي على أنه "إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين، بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعاً للظروف، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك".

Downloads

Download data is not yet available.

Published

2019-03-02

How to Cite

عبد الله امبارك ع. . (2019). التنظيم الدستوري لنظرية الضرورة في ليبيا. Journal of Legal Studies, (23). https://doi.org/10.37376/jols.vi23.993

Issue

Section

Articles